التعليم الديمقراطي والعنصري
قاسم حسين
قاسم حسين ... كاتب بحريني
الأفكار والنظريات العنصرية لا تنطلق إلا من بيئةٍ عنصريةٍ متخلفة، والأفكار والنظريات الحضارية لا تنطلق إلا من بيئة حرّة ديمقراطية، تحقق للبشرية قفزات نوعية إلى الأمام.
آخر الدعوات الواعدة في مجال التعليم، ما شهده عددٌ من الجامعات الأميركية والبريطانية العريقة من إطلاق فكرة التعليم العالي عبر الانترنت، من خلال تقديم دورات دراسية مركّزة أطلق عليها اختصاراً اسم «مووك» MOOC (الدورات التعليمية المفتوحة عبر الانترنت). وهي فكرةٌ ستترك تغييرات كبيرة على مؤسسات ومفاهيم وواقع ومخرجات التعليم الجامعي.
في التأريخ للعلم، الصينيون كانوا أول من اخترع الورق، وظلّوا محتفظين بسر الصنعة طوال ألفي عام حتى نقله عنهم المسلمون في العصر العباسي، فكسروا احتكاره في القرن العاشر الميلادي (الثالث الهجري). وساهم ذلك في نشر الكتب وانتشار المؤلفات بين المشرق والمغرب، اعتماداً على أكتاف قاعدة عريضة من الورّاقين والنسّاخين.
كانت النقلة العلمية التالية باختراع المطبعة في ألمانيا، على يد يوهان جوتنبرغ، في القرن الخامس عشر، حيث مهّدت لطباعة الكتب والصحف بالملايين، وانتشار المعرفة في شتى أقطار الأرض. كما ساعدت طباعة الكتاب المقدّس بعد ترجمته من اللغة اللاتينية التي لا يعرفها غير رجال الدين المسيحي، إلى اللغات الأوروبية، في كسر احتكارهم للغة الدين، ما مهّد لحدوث ثورة فكرية كبرى، والانعتاق من سلطة بابا روما.
خلال القرون الأربعة التالية ظلّت الجامعات محاضن للعلم والعلماء، ومع بداية القرن العشرين انتشرت فكرة التعليم للجميع، حيث ساهم ذلك في نشر المعرفة وتحسين الصحة ورفع مستوى المعيشة في مختلف القارات، فالفكرة الصالحة مثل المطر، تعمّ بخيرها الجميع. ولكن مع نهاية القرن، كان التعليم الجامعي قد تحوّل إلى عمليةٍ مكلِفة.
اليوم، تُطرح فكرة التعليم الجامعي العالي عبر الانترنت، لتكسر ما يشبه حالة «الاحتكار» التي بلغتها الجامعات الحديثة، حيث لم يعد التعليم الجامعي متاحاً للجميع، خصوصاً أبناء الطبقات محدودة الدخل. كما أن انتشار مؤسسات التعليم الخاص التي تقدّم مستوى تعليمياً أفضل، أخذ يفرز حالة طبقية جديدة في التعليم، خصوصاً في البلدان العربية التي تشترط معرفة اللغة الأجنبية في الدراسة والعمل. ونجد أنفسنا أمام واقعين مختلفين من التعليم، سيكون له تأثيراته المستقبلية على واقع المجتمع والسياسة والأمن والاستقرار.
فكرة فتح أبواب التعليم الجامعي أمام الجميع، سيمثّل نقلةً نوعيةً كبيرةً إلى الأمام، فالطالب المتفوّق الذي يواجه صعوبة مالية تمنعه من إكمال تعليمه الجامعي، أو توضع أمامه عراقيل بسبب الاستهداف السياسي، بسبب لونه أو عرقه أو طائفته أو انتمائه، سيجد الطريق أمامه مفتوحاًً، مادام يمتلك الرغبة في التعلم ويبحث عن الطريق الموصِل إلى هذه الجامعات الرائدة.
في هذه التجربة، الطالب، سواءً كان آسيوياً أو أفريقياً أو أميركياً لاتينياً، ليس بحاجةٍ إلى أكثر من جهاز حاسوب وخدمة انترنت وامتلاك مستوى جيد من اللغة الأجنبية للتواصل مع المحيط الجامعي، والأهم... أن يمتلك رغبةً حقيقيةً في التعلّم والالتحاق بقطار التعليم.
إننا على أعتاب نقلةٍ نوعيةٍ كبرى في التعليم، والجامعات العريقة التي كانت قلعةً مغلقةً على العلماء قبل قرن، أصبحت تقود هذه الثورة التي ستفتح أبواب التعليم الجامعي أمام الجميع. فالمجتمع الحر ينتج أفكاراً حرّة تؤدي إلى ازدهار المجتمعات، بينما المجتمعات المتخلفة لا تنتج غير الفقر والعنصرية والتمييز.
قاسم حسين
صحيفة الوسط البحرينية - العدد 4062 - الإثنين 21 أكتوبر 2013م الموافق 16 ذي الحجة 1434هـ