رمضان حول العالم... بين السياسة والاقتصاد والتراث
شبكة النبأ: شهر رمضان شهر الخير والبركة وهو من الاشهر العظيمة عند كافة المسلمين بمختلف طوائفهم، لكنه اختلف هذا العام عن الاعوام السابقة في العديد من الدول العربية والاسلامية، وخصوصا تلك التي شهدت بعض المشاكل والازمات والحروب التي اثرت على حياة المواطنين في تلك البلدان، ويبعث قدوم رمضان البهجة في نفوس المسلمين في مصر الذي يستقبلون الشهر بمهرجانات واحتفالات ليلية. لكن القاهرة تشهد أجواء مختلفة هذا العام نظرا لما تشهده من أحداث. وبدلا من أن يقوم علي محمد بتعليق الفوانيس الملونة في شارعه قام بإنزالها. فمزاجه لا يسمح له بأن يحتفل بينما تنجرف مصر إلى حمام دم وقلق.
قال محمد وهو فني عمره 52 عاما متضرعا "يا رب.. ماذا حدث لنا.. ساعدنا." وكان ينزل من على سلم متنقل حاملا معه حبلا به فوانيس صغيرة ملونة. وكما تعود في الأعوام العشرة الماضية أضاء محمد الفوانيس في شارعه بحي عابدين بالقاهرة قبل يومين استعدادا لقدوم رمضان. لكن عشرات القتلى الذين سقطوا في اشتباكات بين أنصار مرسي وبين الفصائل المعارضة والجيش أفسد الأجواء.
قال محمد "لم اتخيل قط أن يأتي اليوم الذي أرى فيه مسلمين يتقاتلون بعضهم مع بعض." وتابع "شاهدت التلفزيون في اليوم التالي. رأيت متظاهري التحرير يصلون ورأيت المتظاهرين عند مسجد رابعة العدوية يصلون أيضا. وبعد ساعات قليلة رأيت الطرفين يقتلون بعضهم بعضا. لماذا؟ كلهم مسلمون ويصلون لإله واحد."
وحالة اليأس التي يشعر بها محمد سائدة في القاهرة ومدن أخرى حيث تعطل الاحتجاجات والإجراءات الأمنية السفر. والأكشاك التي تقام سنويا لبيع فوانيس رمضان أقل من المعتاد وكذلك المحال التي تبيع الحلوى. وكثير من المقاهي في القاهرة مغلقة أو أن الأجواء الاحتفالية المصاحبة لشهر رمضان أقل على نحو ملحوظ.
وتتذكر عزة محمود (45 عاما) ربة منزل القول الشائع بأن من لم ير رمضان في مصر لم يعرف رمضان. ومضت تقول "بعد هذا العام لن نستطيع أن نقول هذا." وعادة ما تكون بداية رمضان مناسبة لتبادل التهاني لكن المزاج متشائم هذا العام. ولم تجد منى أحمد (60 عاما) وهي ناشطة ليبرالية وربة منزل كلمة تهنئة تقولها للفصائل المتحاربة. وقالت "الله يحرقهم جميعا."
وبالنسبة لإبراهيم خان (26 عاما) وهو موظف في شركة تطبع الكتب المدرسية ومؤيد لجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس المعزول محمد مرسي فإن دعاءه في رمضان هذا العام موجهة لخصومه السياسيين. وقال "ربنا ينتقم ممن تآمروا على مرسي وعلى شرعيته." وبالنسبة لكثيرين فإن شهر رمضان فرصة للاعتكاف والابتعاد عن مشاكل مصر. بحسب رويترز.
تردد ياسمين وهي طالبة عمرها 22 عاما دعاء يردده كثيرون ممن تضيق أمامهم السبل في مصر "يا رب مالناش (ليس لنا) غيرك." ويلف علي محمد فوانيسه بعناية قائلا لعل الشهر يجود علينا بخير. وقال "لم يتبق للمصريين غير رمضان... نسأل الله أن يأتي بالسكينة والتغيير لا شيء آخر يفلح على ما يبدو."
ازمات متراكمة
على صعيد متصل يطل شهر رمضان المبارك على المسلمين اللبنانيين في ظل ازمات سياسية واجتماعية واقتصادية متراكمة نتيجة انعكاسات الاوضاع المحلية والاقليمية عليه من جميع جوانبها. وقال رئيس لجنة الاسواق في جمعية تجار لبنان رشيد كبة ان اللبنانيين يستقبلون الشهر الفضيل بأمل تخطي الازمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها وطنهم بفعل الانعكاسات السلبية للازمة السورية. واشار الى " عامل الخوف والهاجس الامني الذي لاحق اللبنانيين خلال الفترة السابقة ما ادى الى المزيد من التباطؤ والانكماش الاقتصادي في الاسواق اللبنانية وشح في السيولة.
وكشف كبة عن تراجع نسبة المبيعات خلال شهر يوينو الماضي الى حوالي 20 في المئة لافتا الى ان جمعية تجار بيروت عقدت اتفاقا مع احد المصارف اللبنانية لتأمين السيولة للتجار بموجبه يحصل المستهلك على بطاقة مصرفية تخوله الشراء بقيمة خمسة الاف دولار على ان يسددها على مراحل بفائدة متدنية.
وقال ان هذا المشروع من شانه ان يؤمن ويضخ نوع من السيولة للمحلات التجارية ويشجع التجار على ان يوسعوا مروحة المشتريات لهم ويلبوا حاجات المستهلك اللبناني. وتزدهر في شهر رمضان المبارك تجارة "الماكوت" على انواعها والعصائر منها الجلاب والتمر الهندي والسوس وقمر الدين.
من جهتها قالت المواطنة هدى قليلات في تصريح مماثل "نستقبل شهر رمضان المبارك بالصلوات وقراءة القرآن الكريم واقامة حلقات الذكر في دور العبادة لزيادة الايمان واتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومساعدة الفقراء". واضافت ان ايام رمضان المباركة تشكل مناسبة " لتمتين لحمة الاسرة واقبال الناس على عمل الخير" معربة عن سعادتها وفرحتها بحلول الشهر الكريم.
وتتسابق دور الايتام والمؤسسات الخيرية على تزيين الشوارع بالاعلانات والاضواء في هذا الشهر الفضيل فاطلت دار الايتام الاسلامية من خلال حملتها الرمضانية على مجتمعها بمسيرات وزينة رمضانية لتشيع الفرح والبهجة في العاصمة وفي كل مناطق لبنان في ظل ظروف سياسية وامنية و اقتصادية مقلقة. بحسب كونا. ويأمل اللبنانيون ان يعم الامن والامان والاستقرار في وطنهم وقد اعدوا عدتهم لممارسة عاداتهم الرمضانية على الرغم من معاناتهم اليومية خصوصا في ظل ارتفاع اسعار المواد الغذائية من جهة وظروف سياسية وامنية واقتصادية مقلقة.
يزحفون الى القدس
من جانب اخر زحف عشرات الالاف من الفلسطينيين الى مدينة القدس بعد سماح اسرائيل لمن هم فوق سن الاربعين من الرجال والنساء من كافة الاعمار بالوصول اليها دون تصاريح بمناسبة حلول شهر رمضان. ويحتاج الفلسطينيون من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة الى تصاريح خاصة من الجانب الاسرائيلي للدخول الى المدينة المقدسة المحاطة بجدار اسمنتي جعل الدخول اليها عبر بوابات حديدية ضخمة.
واعلنت اسرائيل عن اجراءات لتسهيل دخول الفلسطينيين الى المدينة للوصول الى المسجد الاقصى بمناسبة حلول شهر رمضان. وتوقفت عشرات الحافلات القادمة من شمال الضفة الغربية على بعد مئات الامتار من حاجز قلنديا الذي يفصل القدس عن محيطها الفلسطيني. وتم تخصيص ممر للنساء واخر للرجال يمتد مئات الامتار للوصول الى حافلات كانت تنتظر على الجانب الاخر من الحاجز لتقلهم الى المدينة المقدسة.
وانتشر عشرات المتطوعين لمساعدة كبار السن وفرق الاسعاف على الحاجز الذي كانت تقف فيه قوات الامن الفلسطينية على بعد امتار من قوات الامن الاسرائيلية للعمل على تنظيم دخول المواطنيين الحاجز الذي بدأ الوصول اليه منذ ساعات الصباح الاولى. وتراوحت تقديرات عدد المصلين في الجمعة الاولى من شهر رمضان بين 200الف و 250 الف مواطن.
وترك مواطنون من سكان شمال الضفة الغربية منازلهم مع صلاة الفجر للوصول الى المسجد الاقصى قبل موعد صلاة الجمعة. وقالت ام احمد في الخمسينات من عمرها من مدينة نابلس اثناء عودتها من الصلاة "طلعنا من البيت بعد ما صلينا الصبح مباشرة الحمد لله الطريق كانت سهلة وصلينا الجمعة." واضافت " كل سنة انا والجارات بنيجي مرة على الاقصى في رمضان." بحسب رويترز.
وعملت اوقاف القدس على توفير مظلات في ساحات المسجد الاقصى وقبة الصخرة لاستيعاب العدد الكبير من المصلين وخصوصا في هذا الجو الحار. وانتشر العديد من المتطوعين الذين عملوا على رش الماء على المصلين لتلطيف درجات الحرارة. وقال الشيخ محمد حسين مفتي القدس والديار المقدسة في خطبة الجمعة " ان هذا الزحف الى المسجد الاقصى رسالة الى الاحتلال تؤكد على التمسك بالمسجد الاقصى وحمايته." وشهدت ازقة المدينة المقدسة الضيقة التي انتشرت فيها قوات امن اسرائيلية ازدحاما كبيرا بعد انتهاء الصلاة دون وقوع اي احداث تذكر.
رمضان في اندونيسيا
في السياق ذاته توعد اسلاميون متطرفون بشن هجمات على الحانات والملاهي الليلية "الاثمة" في رمضان في اندونيسيا، اكبر بلد اسلامي في العالم من حيث عدد السكان. وقال حبيب ادروس القادري احد قيادي جبهة المدافعين عن الاسلام، الجمعية التي تعتبر نفسها حارسة القيم الاسلامية الاصيلة "سنتخذ اجراءات حازمة ضد الكحول ورقص التعري والدعارة".
وقام القادري ومجموعة انصاره ومقرهم في ديبوك، بضاحية جاكرتا، بعملية وقائية ضبطوا خلالها زجاجات من الكحول من على رفوف المحلات التجارية قبل اتلافها. واعلن حبيب سليم الاتاس مسؤول فرع جبهة المدافعين عن الاسلام، في جاكرتا ان خمسين من عناصره مستعدون للقيام يوميا بعمليات تفتيش العديد من الحانات وقاعات "التدليك" وغيرها من الملاهي الليلية في جاكرتا.
وقال "سنرسل فرقنا المتكونة من عنصرين او ثلاثة، بزي مدني للتجسس على هذه الانشطة الاثمة مثل استهلاك الكحول خلال شهر رمضان الكريم". واضاف "لن نتردد في شن هجماتنا اذا راينا ان الشرطة والسلطات لا تقوم بواجبها كما ينبغي". واستهلاك الكحول في جاكرتا مرخص له لكنه يخضع لقوانين صارمة وخصوصا خلال رمضان، ويجب على محلات بيع الكحول الحصول على تراخيص لكن العديد منها تبيع الكحول من دونها. بحسب فرانس برس.
وتفاديا لاثارة غضب الاسلاميين تعودت تلك المحلات على بيع الكحول في اكواب الشاي، وحجب واجهات الحانات كي لا يرى المارة ما في داخلها. وتشن جبهة المدافعين عن الاسلام التي تمكنت مؤخرا من الغاء حفل للمغنية لايدي غاغا، اعتبروه "شيطانيا"، كل شهر رمضان حملات على احياء السهر في جاكرتا.
بريطانيا وامريكا
أصبحت القناة التلفزيونية البريطانية الرابعة أول قناة تمولها الحكومة في بريطانيا تذيع الأذان فجر كل يوم خلال شهر رمضان، متحدية اعتراضات كثيرة على هذا القرار. قطعت القناة برامجها أربع مرات في أول أيام رمضان، لعرض أفلام مدتها 20 ثانية لتذكرة المشاهدين بموعد الأذان. وطوال الشهر ستعرض القناة أذان الفجر، بينما تنوه بمواعيد الصلوات الأخرى في موقعها على الإنترنت.
وأشعلت هذه المبادرة جدلاً في بريطانيا، حيث يمثل المسلمون أقل من 5٪ من السكان. ودافع رالف لي، مدير البرامج اليومية في القناة الرابعة، عن قرار القناة بالمضي قدماً في إذاعة أذان الفجر، إضافة إلى برامج تركز على رمضان. وقال نهدف من المسألة إلى لفت الأنظار إلى أقلية مهمة في بريطانيا، فهناك تقريباً ثلاثة ملايين مسلم في بريطانيا، بالنسبة لمعظمهم سيكون رمضان جزءاً رئيساً من عامهم، ومعظمهم سيمارس طقوس شهر رمضان من دون إحداث جلبة، ومن دون أن يتحدثوا بالضرورة إلى الجميع بشأنه، ونتمنى أن يؤدي هذا إلى لفت الأنظار إلى تجربة رمضان وما يمرون به خلال هذه الفترة.
وأضاف لي يمكن أن أؤكد لهم أنها ليست خطوة دعائية، ففي النهاية الأمر يتعلق بالغرض من وجود القناة الرابعة، وهو تمثيل الأصوات البديلة والأفكار المختلفة، وهذا لن يسر كل الموجودين في بريطانيا، لذلك أتمنى من الرافضين أن يخوضوا التجربة ويلقوا نظرة، وربما إذا أرادوا أن يواصلوا النقد، فسنصغي لذلك.
وقال حزب الاستقلال البريطاني الرافض للاندماج مع أوروبا، إن قرار القناة الرابعة بإذاعة أذان الفجر مستفز وغير ملائم. وعانى المسلمون في بريطانيا عمليات انتقامية منذ أن قتل رجلان الجندي ريجبي، البالغ من العمر 25 عاماً، وكان يحارب في أفغانستان، وتم ذلك في وضح النهار أمام ثكنة وولويتش في لندن في مايو.
وقال الدكتور عمر الحمدون، وهو مساعد الأمين العام لمجلس المسلمين في بريطانيا أعتقد أنها مهمة جداً، أولاً نحن نعيش في بريطانيا، وعندما نقر بأن المسلمين جزء من المجتمع، وعندما نمنحهم ذلك النوع من الانتماء من خلال إذاعة الأذان، فنحن نرحب بهذا جداً. وقال رجل آخر إنه لابد من الإشادة بالقناة الرابعة، لأنها تدافع عن الاعتدال في بريطانيا، مضيفاً لا.. لا أعتقد أنها (إذاعة الأذان) قضية تستحق النقاش، ومن المؤسف أنها كذلك، ها نحن هنا، ها هو المسجد.. وها هي الحانة. نحن نعيش معاً.
وقال طالب من بنغلاديش إن إذاعة الأذان ستكون لها آثار إيجابية على المسلمين في بريطانيا. وتابع حتى في بلدي بنغلاديش، معظم القنوات لا تذيع الأذان، لذلك أعتقد أنها فكرة جيدة جداً، هذه الفكرة تعجبني، وستعزز وتعطي الثقة للمسلمين.
على صعيد متصل قال الرئيس الامريكي باراك أوباما انه يتقدم وزوجته ميشيل أوباما بأطيب التمنيات الى المجتمعات المسلمة في الولايات المتحدة وحول العالم. واضاف الرئيس أوباما في بيان صادر عن البيت الأبيض موجه ل 5.1 مليار مسلم حول العالم ان شهر رمضان وقت للتفكير والصوم والإخلاص كما انه يعني الالتزام بالسلام والعدالة والمساواة والرحمة تجاه اخواننا من بني البشر.
وذكر ان رمضان فرصة لأفراد العائلة والأصدقاء للالتقاء والاحتفاء بالمبادئ التي تربط الناس من مختلف الأديان مشددا على ان "هذا الشهر يذكرنا أيضا بأن الحرية والكرامة من الحقوق التي لا يمكن انكارها للبشرية جمعاء". واوضح ان الولايات المتحدة تقف مع أولئك الذين يعملون من أجل بناء عالم حيث يمكن لجميع الناس كتابة مستقبلهم وممارسة شعائرهم الدينية بحرية دون خوف من العنف.
واكد ان "رمضان في الولايات المتحدة هو شهر للتذكير بان ملايين الأمريكيين المسلمين يثرون دولتنا كل يوم ويخدمون في حكومتنا مما يؤدي الى الاكتشافات العلمية وتوفير فرص العمل ورعاية جيراننا ". وقال "لقد تمت استضافة حفل افطار في البيت الأبيض خلال السنوات الأربع الماضية وهذا العام وأتطلع الى الترحيب بالامريكيين المسلمين الذين يساهمون في بلادنا ورجال الأعمال والناشطين والفنانين".
شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 15/تموز/2013 - 6/رمضان/1434