إندونيسيا والتطرف... جهود متواصلة لمكافحته
شبكة النبأ: الفكر الذي يغذي أعمال العنف باسم الإسلام ما زال قوياً في إندونيسيا على الرغم من جهود الحكومة لـ "نزع تطرف" المتشددين ومنع انتشار التطرف الديني. فقد قُتل نحو 60 شخصاً وجرح 500 آخرين من جراء هجمات "إرهابية" خلال العقد الذي جاء بعد تفجيرات بالي عام 2002 - عندما قام أفراد الجماعة الإسلامية ( جماعة إسلامية مسلحة في جنوب شرق آسيا لها علاقات مع تنظيم القاعدة) بقتل أكثر من 200 شخص وجرح المئات غيرهم. وعلى الرغم من تناقص عدد ونطاق الهجمات بفضل جهود الشرطة للقبض على المسؤولين عن ذلك، وفي بعض الأحيان قتلهم، ارتفع عدد الهجمات التي تشنها جماعات أصغر حجماً وغير معروفة.
ووفقاً لأحدث "تقرير عن الإرهاب" في إندونيسيا أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية، يستخدم المسلحون الإنترنت على نحو متزايد لنشر رسائل التطرف الديني من خلال الجامعات والسجون في البلاد. وحتى بعد عقد كامل تقريباً من مكافحة التطرف، لا يزال المسؤولون منقسمين بشأن النهج الذي تتبعه إندونيسيا، التي تُعتبر موطناً لحوالي 13 بالمائة من المسلمين في العالم.
وقال انسياد مباي، كبير مسؤولي مكافحة الإرهاب في البلاد، "فكرنا في إجراء نزع التطرف لأول مرة في عام 2003. في ذلك الوقت، لم يرغب أي إرهابي في التحدث إلينا، بل وطلب بعضهم أن نقتلهم حتى يتمكنوا من إكمال جهادهم. فضلاً عن الحاجة إلى إنفاذ قوانيننا، كنا نعرف أنه لا بد من تحييد وجهات النظر الراديكالية باستخدام الإسلام".
وعادةً ما يُستخدم لفظ الجهاد، وهو مصطلح كثيراً ما يساء فهمه، لوصف الصراع البدني والروحي على حد سواء للوفاء بواجبات دينية في الإسلام. وقال مباي، الذي يرأس الوكالة القومية لمكافحة الإرهاب منذ تأسيسها في عام 2010، أن الجهود المبذولة على الصعيد الوطني لمحاربة التطرف لا تزال مفتتة، مضيفاً أن "العديد من الدوائر والوكالات الحكومية والمنظمات الإسلامية نفذت أعمال نزع التطرف بشكل فردي، لكننا الآن بصدد صياغة خطة وطنية لنزع التطرف وتنفيذها في العام المقبل حتى نتمكن من تنسيق نهجنا بشكل أفضل".
ووفقاً لتصريحات مباي، صدرت منذ عام 2002 أحكام بحق 600 من أصل 830 شخصاً اعتقلتهم الشرطة بتهمة الإرهاب. وقد دخل 200 منهم برنامج "نزع التطرف" الذي تنفذه، ولكن 23 فرداً منهم أصيبوا بـ"انتكاسة" وعادوا للانضمام إلى جماعاتهم. وأضاف مباي: "إننا نحاول أن نجعلهم يدركون أنه من الخطأ أن تعتقد أن الجهاد يعني الحرب أو تفجير انتحاري، وأن ما يقومون به الآن ليس واجباً إسلامياً".
من جهة أخرى، يدير سارليتو ويراوان سارونو، رئيس قسم الدراسات الشرطية في جامعة إندونيسيا في العاصمة جاكرتا، برنامجاً غير هادف للربح لمصلحة الوكالة القومية لمكافحة الإرهاب. تطوع لتنفيذ هذا البرنامج تسعة "إرهابيين" سابقين بغرض تحقيق ما تسميه الوكالة القومية لمكافحة الإرهاب "نزع تطرف" 50متشدداً، يقضي نصفهم عقوبة السجن لإدانتهم بتهم تتعلق بالإرهاب، وقد تم الإفراج عن النصف الآخر بعد قضاء فترة العقوبة.
وأفاد سارونو أن "الإسلام هو دين السلام وهو يعتبر أنّ جهاد النفس هو أكبر جهاد يقوم به المسلم، لمكافحة الشياطين التي توسوس في نفسه، وأعمال العنف تجاه الآخرين محرمة، إلا في حالة التعرض لتهديد مباشر. ونحن نحاول أن نؤكد على هذه الأفكار". وأضاف سارونو أن رجال الشرطة يحاولون معاملة المتشددين المحتجزين مثل "الأصدقاء"، ويؤدون الصلاة ويقرأون القرآن معهم، ويناقشون احتياجاتهم الأسرية أيضاً. "هل يريدون تعليماً جيداً لأطفالهم؟ وكيف سيجدون وظائف بعد الإفراج عنهم؟"
هذا وتساعد الأجهزة الأمنية على تلبية طلبات السجناء، مثل المساعدة الطبية لأفراد الأسرة، أو إذا أرادوا رؤية الزوجات أو الأطفال. كما تُعقد ورش عمل وندوات واستشارات نفسية لكل فرد على حدة في إطار عملية يتوقع سارونو أن تستمر لمدة ثلاث سنوات. وفيما ينفّذ النشطاء عقوبة السجن، توفر الوكالة القومية لمكافحة الإرهاب الدعم المالي لأسرهم، وتمنح كل أسرة ما يقرب من 150 دولاراً في الشهر. وأكد سارونو: "بالنسبة لنا، أكثر ما يهمنا هو تغيير مواقفهم، وليس بالضرورة أيديولوجيتهم،" مضيفاً "إننا نؤكد على فك الارتباط. يجب إنهاء التزامهم بالعنف. هذا هو هدفنا بدلاً من نزع التطرف بالكامل، الذي يوحي بتغيير أيديولوجيتهم".
ناصر عباس (43 عاماً) هو قائد الجناح العسكري في الجماعة الإسلامية سابقاً، وخدم مع المجاهدين (المقاتلين المسلمين) لمدة ثلاث سنوات في أفغانستان، حيث أصبح مدرباً متخصصاً في استخدام الأسلحة والاستراتيجية العسكرية. وعندما كان في العشرينات من عمره، قام بتدريب 200 مقاتل، نفذ بعضهم تفجيرات بالي عام 2002. وقال عباس: "درّبتهم على القتل، ولكن هذا كان في سياق عسكري،" وتجدر الإشارة هنا إلى أن عباس ارتقى المناصب لاحقاً في صفوف الجماعة الاسلامية حتى وصل إلى رئاسة إحدى وحداتها الإقليمية الأربع في جنوب شرق آسيا، التي تغطي صباح في ماليزيا، وكاليمانتان الشرقية، وسولاويزي الشرقية، وسولاويزي الشمالية في إندونيسيا، وجنوب الفلبين.
وفي عام 2002، قامت لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالجزاءات المفروضة على تنظيم القاعدة وحركة الطالبان - التي أنشأها مجلس الأمن الدولي في عام 1999 بغية تنفيذ عقوبات على طالبان التي كانت تسيطر على أفغانستان بسبب دعمها لأسامة بن لادن بوضع الجماعة الإسلامية على قائمة عقوباتها، واستشهدت بصلات الجماعة مع تنظيم القاعدة وهدفها المتمثل في إقامة دولة تمتد عبر جنوب شرق آسيا على أساس الفكر المتطرف. وعندما حددت الشرطة الإندونيسية موقع عباس في عام 2003، قاوم الاعتقال في البداية ورفض الحديث. وأوضح عباس: "كنت أعلّم الآخرين دائماً أنه من الأفضل لهم أن يموتوا على أن يتعرضوا للاعتقال، وكنت قلقاً من أنني إذا تحدثت سيعتبرونني خائناً."
ووفقاً لعباس، تشجع على الحديث عندما ناشدت فيه الشرطة إحساسه بأنه مسلم تقي. وأضاف: "أزالوا القيود من يدي، والسلسلة التي كانت حول عنقي، وأمر القائد جميع الضباط الآخرين بمغادرة الغرفة. وكمسلم، عندما يحترمك شخص ما، ينبغي أن تحترمه أنت أيضاً. هذا هو ما فعلته مع القائد، لأنه كان يحترمني". ولم يتحدث عباس إلى الشرطة فقط، بل ساعدها على القبض على كبار قادة الجماعة الإسلامية وتحدث نيابةً عن الحكومة إلى 300 إرهابي بغرض "تحييد" معتقداتهم المتطرفة. وقال أن من واجبه كمسلم أن يتعاون لدرء المفاسد، حتى لو كان يختلف مع مصطلح "نزع التطرف". "بالنسبة لي، الأمر يتعلق أكثر بفك الارتباط. ما زال بإمكانهم التشبث بأحلامهم في إقامة دولة إسلامية، ولكن عليهم السعي إلى ذلك بشكل سلمي، وليس من خلال التفجيرات وعمليات القتل".
من جهة أخرى، قال توفيق أندري، مدير البحوث في معهد ياسايان براساستي بردامايان لبناء السلام الدولي، أن الوكالة القومية لمكافحة الإرهاب لا تبذل الجهود الكافية أو تتحرك بالسرعة الكافية للقضاء على التطرف. وتجدر الإشارة هنا إلى أن معهد ياسايان براساستي بردامايان هو منظمة غير حكومية محلية تتخذ من جاكرتا مقراً لها وتعمل مع السجناء المتشددين السابقين منذ عام 2009. وأضاف أندري: "يجب استغلال موارد الوكالة القومية لمكافحة الإرهاب للوصول إلى قلب التطرف،" مشيراً إلى الجماعات المتطرفة مثل جماعة أنصار التوحيد، ومجلس المجاهدين الإندونيسي، ومنبر المجتمع الإسلامي. كذلك، تساءل أندري عما إذا كان ناصر عباس وغيره من "المجاهدين الأفغان" الإندونيسيين الذين قاتلوا في أفغانستان في تسعينيات القرن الماضي يمكنهم أن يؤثروا على المتشددين الشباب.
وأشار أندري إلى "إن الجهاديين المعاصرين الذين يؤمنون بالفكر الجهادي العنيف الذين قاتلوا في أمبون ولاية مالوكو الإندونيسية وبوسو ولاية سولاويسي الوسطى في أواخر التسعينيات يرون أن المجاهدين الأفغان منخرطون الآن مع الحكومة وباتوا لا يتصرفون حقاً كجهاديين." وأقر مباي بالحاجة إلى الشراكة مع شخصيات متطرفة بارزة من أجل الوصول إلى عدد أكبر من المتشددين، واعترف بأن الدولة واجهت مشاكل حالت دون اختراق الجماعات المتطرفة الأكبر حجماً.
ووفقاً لتقرير أصدره الفريق الدولي المعني بالأزمات في أبريل 2011، تلهم المنظمات الجهادية الكبرى المجموعات الأصغر حجماً وتحتضنها من أجل تنفيذ الهجمات، حتى لو كانت تتنصل علناً من المشاركة في تلك الهجمات. وقال المتحدث باسم جماعة أنصار التوحيد في جاكرتا، سون هادي أن جماعته ترفض التعاون. وأضاف أن "برنامج الوكالة القومية لمكافحة الإرهاب الخاص بنزع التطرف يعتبر الإسلام عدواً قومياً. وينظر إلى الجهاد على أنه مصدر المعتقدات المتطرفة، في حين أن الجهاد هو جوهر الإسلام. وقد حُرم علينا التعاون مع أولئك الذين يحاولون إهانة الإسلام باسم الإسلام".
وأفاد مباي أن إحدى طرق التغلب على المماطلة هي استخدام وسطاء مسلمين معتدلين. وأضاف أن "عقلية المتطرفين تعتبر جميع المسؤولين الحكوميين كفار، ولذلك نحن بحاجة لتمكين المنظمات الإسلامية الجماهيرية المعتدلة كنهضة العلماء والمحمدية لكي تدخل في حوارات مباشرة مع دعاة التطرف والإرهاب". ونهضة العلماء هي أكبر منظمة إسلامية في إندونيسيا، وهي تدعي أنها تضم 50 مليون عضو يديرون 600 مدرسة داخلية إسلامية، و40 جامعة ويقومون بأعمال خيرية. جمعية المحمدية هي منظمة إندونيسية مماثلة، ولكنها أصغر حجماً وتدعي أنها تضم 29 مليون عضو.
ومع ذلك، يقول سارونو أن الاستعانة بالعلماء المسلمين المعتدلين لطرح فكرة نزع التطرف قد حققت نتائج متباينة. "يستطيع الإرهابيون التشكيك في التزام العالم بالجهاد، ويسألونه أين كان عندما كانوا هم يقاتلون ويموتون في مواجهة من يتصورون أنهم أعداؤهم." وأضاف سارونو أنه "من وجهة نظر الإرهابي، لا يمتلك العالم مصداقية في بعض الأحيان".
وفي الوقت نفسه، قال مباي أن الجهود المبذولة مع عامة الناس ليست كافية، وخاصة في المدارس، التي قال أنها لا تزال تشكل الساحات الرئيسية لانتشار الأفكار المتطرفة. وأضاف أن "المتطرفين يهيمنون أيضاً على الإنترنت في محاولة لتحريض الناس على ارتكاب الهجمات"، ولا توجد أي برامج في إندونيسيا لمكافحة هذه الأفكار على شبكة الإنترنت، على عكس دول أخرى تحارب التطرف الديني. فقد شجعت السلطات السعودية مثلاً رجال الدين على إقامة مواقع خاصة بهم على الإنترنت من أجل رصد المواقع المتطرفة، وإعداد بيانات لدحض الفكر المتطرف والإجابة على أسئلة الجماهير، وفقاً للمركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي، الذي يتخذ من لندن مقراً له. بحسب شبكة الأنباء الإنسانية إيرين.
وأضاف أندري، مدير البحوث في معهد ياسايان براساستي بردامايان لبناء السلام الدولي أن السجون أصبحت "مدارس للتطرف" تحتاج إلى المزيد من العمل. وقال أيضاً أن "هناك العديد من المنظرين في السجون الذين ينشرون أفكارهم بين السجناء الآخرين ويمكنهم تحميل أعمالهم المكتوبة حول الجهاد على الإنترنت أثناء وجودهم في السجن". وعلى الرغم من قدرتها المحدودة على الوصول والتأثير على غلاة المتطرفين، حاولت الوكالة القومية لمكافحة الإرهاب أن تجعل المجتمعات بمأمن من التطرف، كما قال عباس، قائد الجناح العسكري للجماعة الإسلامية سابقاً. وأضاف عباس أن "الأفكار المتطرفة لا تزال موجودة، ويمكن الوصول إليها بسهولة من خلال المجلات ومواقع الإنترنت والوعظ. إن حماية المجتمعات شيء وقتل الفيروس نفسه شيء آخر".
شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 25/تشرين الأول/2012 - 9/ذو االحجة/1433