مئة كلمة وكلمة في قواعد الحياة
العلم والادب والفكر ركائز التطور
شبكة النبأ: (الْعِلْمُ وِرَاثَةٌ كَرِيمَةٌ وَ الْآدَابُ حُلَلٌ مُجَدَّدَةٌ وَ الْفِكْرُ مِرْآةٌ صَافِيَةٌ)، في كتاب نهج البلاغة لسيد البلغاء الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، مئات الكلمات التي تشكل قواعد اساسية لمواصلة الحياة السليمة، فهذا الكتاب كما يرى المعنيون العارفون المتبحرون في علم اللغة وعلم الحياة برمتها، ينطوي على درر قلما حواها كتاب وانطوى عليها مؤلَّف، كونه لا يترك واردة ولا شارة إلا وتصدى لها وتبحّر فيها وسبر اغوارها، ليضع لنا بالنتيجة قاعدة واضحة المعنى والصياغة، تعالج شؤون حياة الانسان في جميع المجالات الفكرية منها والعملية.
إن كلمة أمير المؤمنين عليه السلام المأخوذة من نهج البلاغة والتي تصدرت هذا المقال، تمثل احدى قواعد الحياة الانسانية الراسخة، فقد ورد فيها العلم والأدب والفكر، وهذه الركائز الثلاث تمثل أهم الدعامات التي انبنا عليها الوجود البشري النظري والعملي، حيث العلم بوابة الانسان نحو التطور والابتكار واجتراح الوسائل التي تجدد أنماط الحياة على نحو دائم، فالعلم كما هو متفق سبيل الامم نحو الارتقاء، لذلك وصفه الامام عليه السلام بأنه وراثة كريمة، حيث يرثه الابن عن ابيه، وهو أسمى من الاموال العينية والمنقولة، لأن العلم الموروث يؤدي الى تحسين الانتاج كما ونوعا من خلال تطوير الذات ومواهبها وكفاءتها، وبهذا يكون حامل العلم كريما يتمثل كرمه بعلمه الذي يتيح له الاكتشاف والابتكار وتطوير الحياة، وهو امر لا يعود بالفائدة على صاحب العلم فحسب، بل على أناس كثيرين يستفيدون من علمه.
أما الآداب فهي بمثابة الحلل المجدَّدة كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام، والتجديد هنا يشمل ذات الانسان الشاملة، حيث تجديد العقل والفكر والرؤية الى الحياة وكيفية التعامل معها، فضلا عن تطوير السلوك بروحية قابلة للتجديد دائما، لأن تجديد الذات أمر غاية في الاهمية، فما بالك عندما يكون الأدب هو وسيلة تطوير الانسان، وتلوين حياته بما هو افضل واجمل في الشكل والجوهر؟، وهكذا تكاد ركيزة الادب تضاهي العلم من حيث قيمتها الجوهرية في بناء الفرد نفسيا وفكريا، أما الحلل فهي الشكل والجوهر الجمالي للاداب، وعندما ينعكس ذلك في ذات الانسان يصبح ذا شخصية مميزة متطورة ومبدعة في الوقت نفسه، واذا كان المجتمع كله ذا شخصية متطورة، فإن الانتقال من الجهل الى رحاب النور يصبح امرا واقعا، وهذا الامر تحصيل حاصل للتمسك بالعلم والادب، كما جاء ذكره في نهج البلاغة لسيد البلغاء عليه السلام.
أما ركيزة الفكر فقد جاء وصفها في نهج البلاغة دقيقا، حيث الفكر مرآه صافية، تعكس الاشياء بدقة متناهية و وضوح تام، وهذا هو ديدن الفكر الذي يمثله المعنيون بأنه أفضل وسيط ناقل لما يدور في اذهان الناس ومن ثم تطبيقها على ارض الواقع، ويتفق الجميع على ان الفكر هو الذي ساعد الانسان على الانتقال من مراحل التوحش الى التمدّن، ومن ثم تحسين الحياة من خلال بث الافكار الجديدة التي كان لها قصب السبق في رفع قيمة الانسان، وتوفير السبل الحديثة لحياة افضل، قابلة للتنمية والتطوير بشكل مستمر.
وهكذا نلاحظ أن هذه الكلمة تنطوي على الركائز الاهم في بناء النفس والمادة معا، العلم، الآداب، الفكر، وكل ركيزة من هذه الركائز الثلاث وصفها الامام علي عليه السلام بوصف يوحي بعمقها وقوتها وتأثيرها تماما، أما اذا اجتمعت هذه الركائز والصفات في ذات الانسان، فإنه لا ريب سيمثل عنصر التطور والارتقاء، ليس على الصعيد الفردي الذاتي، بل على الصعيد المجتمعي ككل.
شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 30/آيار/2013 - 19/رجب/1434