الانظمة المركزية وتدمير المنظومة القيمية للمجتمع
علي حسين عبيد
شبكة النبأ: هناك علاقة صراع وتضاد بين النظم السياسية المركزية وبين القيم المجتمعية، ومن بين أهم هذه القيم، الثقة المتبادلة بين الجميع، أفراد ومؤسسات، والمكانة المعنوية العالية للفرد، وكلما ازدادت شراسة النظام السياسي وتركّزت سلطاته في بؤرة واحدة، كلما ازدادت الحرب على القيم المجتمعية التي يزداد بغيابها التصدّع العلاقاتي، ويتنامى بين عموم مؤسسات ومكونات المجتمع وأفراده، لذلك تسعى الأنظمة الشمولية الى محاصرة رأس المال الاجتماعي لتحد من قدراته وتأثيراته على السلطة، الامر الذي يقود بدوره الى مساوئ اقتصادية كبيرة، لأن غياب الثقة المجتمعية على سبيل المثال، سبب كافي لتردي العلاقات والانتاج معا، لذلك لا يصح أن يكون الهدف من قوة الاقتصاد الوطني لبلد ما هدفا لتكديس الثروة، مع غياب الاهتمام بتنمية رأس المال الاجتماعي من خلال تطوير منظومة القيم الاجتماعية.
يقول فوكوياما في كتابه (الثقة: الفضائل الإجتماعية وخلق الرخاء. عندما ندرك أن الحياة الاقتصادية لا تهدف إلى تجميع أكبر دور ممكن من الثروات المادية فحسب بل تهدف أيضاً إلى تحقيق الاعتراف بالقيمة والمكانة المعنوية للأفراد والممتلكات على حد سواء، تتضح لدينا علاقات التكامل والتكافل بين الرأسمالية والديموقراطية الليبرالية). هكذا تتداخل العلاقة بين الفعل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، الى الحد الذي يصعب معه الفصل بين هذه الاطراف الثلاثة، وتحييد التأثير المتبادَل بينها.
في المجتمع العراقي هناك حصيلة واضحة وقوية لفقدان قيمة الثقة، وهناك تدمير متواصل لمكانة الفرد المعنوية، قامت بها أنظمة مركزية بأقسى أشكال التعسف لكي تحافظ على عروشها من الانهيار، ولم يشفع لبعضها الشروع في البناء الاقتصادي الذي كان يتحسن ويقوى أحيانا في مقاطع زمنية محدودة، فقد كان هذه النمو الاقتصادي يركّز على هذا الجانب فحسب، في حين تُنتهَل شخصية الانسان وتحاصر المؤسسات الاجتماعية بكل أنواعها، خوفا من تأثيرتها على مركزية السلطة، لذلك غياب الثقة في التعاملات المجتمعية المختلفة أدى الى تبديد متواصل لرأس المال الاجتماعي، والسبب دائما الانظمة المركزية، يقول فوكوياما في كتابه نفسه: (إن كفاءة المؤسسات السياسية الديموقراطية ليست أقل اعتماداً على الثقة المتبادلة من المؤسسات الاقتصادية، لأن تدني مستويات الثقة في أي مجتمع يتطلب بالضرورة وجود حكومات أكثر فضولاً وتدخلاً في حياة الأفراد، وأكثر ميلاً لسن القوانين المحددة التي تنظم العلاقات الاجتماعية).
وطالما أن الانظمة الفردية أو الأحادية تسعى دائما لمضاعفة وتركيز سلطاتها، فإن النتائج ستبقى وخيمة على منظومة القيم المجتمعية، بسبب سعي الساسة الى حماية منافعهم ومصالحهم، لذلك يقول فوكوياما إن الكثير من الحالات التي تطرق إليها في كتابه هذا تشكل تحذيراً واضحاً من خطر ازدياد مركزية السلطة السياسية وما يترتب عليه من آثار سلبية تضعف أو تدمر المجتمعات المدنية، كما حدث في معظم دول المعسكر الشيوعي سابقاً.
لذا مطلوب أن تُشاع الثقة كقيمة لا يجوز التفريط بها أو التخلي عنها، ليس على مستوى العلاقات الفردية المتبادلة، بل بين عموم المؤسسات التي تتدخل مباشرة في بناء الدولة (الاقتصاد والتعليم والصناعة والزراعة والصحة وما شابه)، ولابد أن نسعى لضوابط تحد من مركزية السلطة وتدخلها في الحد من فعاليات وأنشطة المجتمع كافة، لأننا أشرنا الى الخطر الكبير الذي تحدثه السلطة المركزية في تحديدها لحركة المجتمع، لذلك ينبهنا فوكوياما في كتابه نفسه الى أن (كل المجتمعات الأسروية التي تتدنى فيها معدلات الثقة كالصين وفرنسا وجنوب إيطاليا كانت نتاج أنظمة حكم ملكية ومركزية في الماضي، وقد عملت كل تلك الحكومات على الحد من استقلالية المؤسسات الاجتماعية الوسيطة ومنعها من الحصول على سلطات خاصة. على العكس من ذلك، كل المجتمعات التي ترتفع فيها معدلات الثقة، كاليابان وألمانيا، كانت تعيش في ظل سلطات سياسية لامركزية نسبياً طول الفترة التي سبقت قيامها في العصر الحديث).
شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 25/آذار/2012 - 4/جمادى الأولى/1433