ضمور المنهج المدني في العراق
علي حسين عبيد
شبكة النبأ: بلوغ المدنية في المجتمعات، يستدعي جهدا فكريا وعمليا استثنائيا، لا ينحصر في ظرف معين، او مرحلة زمنية بعينها، بل هو منهج ومسار ينبت في تربة المجتمع، ويستمر في النمو حتى يبلغ مستوى النضوج التام، عند ذاك يغادر المجتمع موقع التخلف والجهل والعبودية والخوف، الى مرتبة المجتمعات المدنية التي لا احد من الحكام والانظمة، يستطيع التجاوز على حقوقها، مهما بلغ من البطش والطغيان والقوة الغاشمة.
في العراق لا تزال المدنية غائبة او في حالة ضمور وضعف متواصل، لدرجة ان تاثيرها بالغ الوضوح في حياة العراقيين، فهذا الشعب الذي يملك كل عناصر وعوامل النهوض واللحاق بالركب المدني العالمي المتقدم، لا يزال يقبع في الخوف والتردد والجهل والتخلف بانواعه، ولعل المشكلة الكأداء تكمن في التجهيل المنظّم لهذا الشعب عبر حقب وانظمة وعهود متتالية، فمعظم الحكومات والانظمة التي تعاقبت على حكمه، كرست ظواهر الجهل والتخلف في حياة العراقيين، حتى يسهل السيطرة عليهم، ليبقى الحاكم وبطانته متنعما بخيرات وثروات الفقراء من العراقيين، ولان الوعي والثقافة هي الدافع الاهم والاقوى للفقراء للمطالبة بحقوقهم، لذلك نلاحظ ان هذه الحكومات شنت حروبا شعواء على الثقافة والوعي، ومارست شتى انواع التجهيل للشعب، من اجل ان تضمن ضمور الوعي وغياب الحس المدني، ومن ثم تأتمن جانب الشعب، الذي تغيب ارادته في التحرر من العبودية بسبب غياب الحس المدني لديه.
ثمة فرق واضح بين المجتمعين المصري والعراقي في الشأن المدنى، ومستوى ما بلغ اليه المجتمعان في هذا المجال، فضلا عن العوامل التي جعلت المجتمع المصري اكثر مدنية من المجتمع العراقي، في العراق هناك معوقات كثيرة، أهمها واصعبها الانظمة السياسية المستبدة التي قتلت الروح المدنية في العراقيين، إذ ليس هناك نظاما واحدا منذ عقود بل قرون ساعد هذا الشعب على بلوغ المدنية على الرغم من ان مقومات التمدن موجودة لدى العراقيين، لاسيما الثروات الهائلة التي يملكها ولكن من دون ان يتمكن من استثمارها لصالحه، فقد كانت النسبة الاكبر من هذه الثروات تذهب الى الحكام ومعاونيهم والى الدول العظمى وشركاتها التي تساند النظام العميل ضد الشعب، ولاشك ان فشل النخب العراقية في تمدين الشعب له دور كبير في النتائج البائسة التي يعيشها العراقيون الآن.
وهناك الارهاب الذي قام بدوره على افضل وجه، وحارب المدنية بقوة في العراق، إذ ان الارهابيين استهدفوا كل شيء له قدرة على رفع الوعي لدى الناس، وهكذا يتعاون الارهاب مع المافيات والعصابات التي تحاول بكل ما تستطيع ان تبقي الناس في حالة من الجهل والحرمان، لكي تبقى الثروات والخيرات حكرا عليهم وعلى عوائلهم، اما فقراء العراق فليذهبوا الى الجحيم، هذه هي رؤية الانظمة الباغية، وهذه هي اهداف الدول الطامعة في العراق، وهي ايضا اهداف المسؤولين الذين لا يحرصون على تنمية النهج المدني حتى يتمكن الشعب من محاسبة المقصرين بحقه.
لذلك ليس هناك وجه مقارنة بين المجتمع المصري الضارب في المدنية، وبين المجتمع العراقي الضارب في الخمول والتجهيل المتعمد، كل هذا يحدث بصورة مدروسة ومنتظمة، تقف وراءها دول ومخططات يتم تطبيقها بصورة دقيقة لكي يبقى العراقيون مقيمين في دائرة الجهل والخوف والتردد والحرمان، فيما ينعم القادة واعداء العراقيين بالخيرات الوفيرة التي تمتلئ بها ارض العراق.
المطلوب واضح تماما، مسؤولية النخب تتقدم على كل المسؤوليات الاخرى، وبث الحس المدني وتطويره من مهامها الاساسية، خاصة اننا نعيش في اجواء تساعد على ترسيخ المدنية، من وسائل اعلام وما شابه، لكن لا يتم هذا بطبيعة الحال، إلا بتوفير العناصر والظروف المطلوبة، واولها التخطيط والتطبيق الدقيق للوصول الى الدرجة المقبولة من التمدن.
شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 7/تموز/2013 - 27/شعبان/1434